الأسس الفكرية. .للدولة السعودية !
بعد أن قدم أسلافنا عبر تضحيات شجاعة ووعي متقدم ، لنا ، وطنا موحدا وآمنا ومستقرا هو : كيف نرتب علاقتنا في حاضرنا هذا ومستقبلنا بهذا الموروث التاريخي العظيم ، إذ أن مجرد الفخر والتغني بما أنجزوه ، لا يعد نوعا من الوفاء لهم ، خاصة في هذا الظرف الدقيق الذي تمر أمتنا العربية والإسلامية والمنطقة ، بل والعالم بأسره ، وقد ضرب لنا ، كما أسلفنا في الأسبوع الماضي ، المؤسس العظيم الملك عبد العزيز (رحمه الله) مثلا بليغا في كيفية التعامل مع ارثنا ومع ماضينا ، إذ يحكون نقلا عن أمين الريحاني ، أن الملك عبد العزيز أثناء بناء قصر المربع ، لاحظ أن البنّاء نقش على مدخل قاعة الاستقبال هذين البيتين :لسنا وان كرمت اوائلنا يوما على الأنساب نتكلنبني كما كانت اوائلنا تبني و نفعل مثلما فعلواوحينما تأمل الملك البيتين طلب من البنّاء أن يعدّل البيت الثاني ليكون :"نبني كما كانت اوائلنا تبني ونفعل(فوق) ما فعلوا" .و (فوق) في سياقها هنا تعني (غير)، أو (أكثر ) و (أزيد) ، أي (تجاوز) ما فعل اوائلنا .
وواقعة توحيد المملكة وتأسيس دولتها نفسها لمن يقرأها بشكل دقيق تؤكد بأن مشروع الملك عبد العزيز لم يكن "تجديد"ا بقدر ما كان "تجاوزا" تاريخيا "للواقع" القائم ، قام فيه بعملية تغيير شاملة وعميقة لما كانت أوضاع شبه الجزيرة العربية ، ومؤسسا على أنقاض ذلك الواقع ، واقعا جديدا ، أكثر عقلانية ، رغم ما كلفه ذلك من تضحيات هو والذين آمنوا معه بحلم التوحيد ، لأنه لو كان مجددا ، أو مجرد مرمم لبناء لاكتفى باستعادة إمارة أجداده في الرياض ، و التي تحققت عام (1902) ، وأراح نفسه .لقد استطاع أن "يتجاوز" بثاقب بصيرته التناقضات القبلية الثانوية المزيفة في الواقع السياسي والاجتماعي في شبه جزيرة العرب ، والذي يكرس الفرقة والتشتت ويغذي الصراعات والحروب بين كيانات متشرذمة ، لقد تجاوزت بصيرته واقع التشرذم ، رافضا اعتباره أمر واقعي وعقلاني ومنطقي ينبغي التسليم به ، لأنه كان يرى حقيقة وحدة هذه الكيانات الغائبة .كانت "الوحدة" هي "الحلم"...